دراسات ومقالات

ميثاق منظمة الأمم المتحدة ونزع السلاح

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من مآسي بسبب ما توصلت إليه البشرية من أسلحة دمار شامل متمثلة بالأساس في القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما وناكازاكي اليبانيتين، وقف العالم مذهولا أمام هول وعظم الخطر المحدق به جراء هذا السلاح الفتاك. وتهديده المستمر للأمن والسلم الدوليين.

وعليه فإبان الإعداد لميثاق منظمة الأمم المتحدة، شرع المجتمع الدولي في التأكيد على فكرة الأمن الجماعي بدل نظرية الأمن في ظل توازن القوى، التي كانت تعتمد على فكرة أساسها أن تسلح مجموعة من الدول ضد مجموعة أخرى تتمتع بنفس الحرية في التسلح، يحول دون نشوب الحرب كنتيجة حتمية للتوازن فيما يبنهما، عكس فكرة الأمن الجماعي التي تقتضي تواجد كيان دولي يحول دون استخدام القوة والعدوان. ويدعم السلم والأمن من خلال تفعيله لأليات الحل السلمي للمنازعات ونزع السلاح.

فعلى ضوء هذه المقاربة الجديدة لبنية المجتمع الدولي انبثقت بموجب ميثاق سان فرانسيسكو عام 1945 منظمة الأمم المتحدة، ناشدة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، من خلال مجموعة من الأليات أبرزها نزع السلاح، وعليه فبمناسبة الأسبوع العالمي لنزع السلاح 24-30 أكتوبر، سنعمل من خلال هذه الورقة على استقراء بعض مواد ميثاق منظمة الأمم المتحدة المعنية بقضية نزع السلاح، وتقييم مدى نجاعة هذا الكيان الأممي في تحقيق ذلك.

فأما على مستوى مواد الميثاق فقد نصت مقتضيات المادة الأولى منه على:

“مقاصـد الأمـم المتحدة هي:

حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها…”.

ونصت المادة 2 على: “تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقاً ‏‏ للمبادئ الآتية:

يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر… “.

كما أكدت المادة 11 على أنه: ” للجمعية العامة أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدولي، ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح، كما أن لها أن تقدم توصياتها بصدد هذه المبادئ إلى الأعضاء أو إلى مجلس الأمن أو كليهما”.

وفي المادة 26 أكدت على: ” رغبة في إقامة السلم والأمن الدولي وتوطيدهما بأقل تحويل لموارد العالم الإنسانية والاقتصادية إلى ناحية التسليح، يكون مجلس  الأمن مسئولا بمساعدة لجنة الأركان العسكرية المشار إليها في المادة 47 عن وضع خطط تعرض على أعضاء الأمم المتحدة لوضع مناهج لنظم التسليح”.

وبالنسبة للمادة 47 فقد نصت على: ” أن تشكل لجنة من أركان الحرب تكون مهمتها ان تسدي المشورة والمعونة إلى مجلس الأمن وتعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والامن الدوليين لاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها ولتنظيم التسليح ونزع السلاح بالقدر المستطاع”

باستقراء النصوص أعلاه يتبين لنا ان ميثاق الأمم المتحدة أكد على ارتباط نزع السلاح وتحقيق مطلب الأمن الجماعي، وذلك من خلال  نصه الصريح على تحريم التهديد بالقوة او استخدامها في العلاقات الدولية، وحثه للدول على سلك سبل الحل السلمي لتسوية المنازعات التي قد تنشب بينهم.

كما أكد الميثاق وفي نفس السياق على  خفض التسلح كإجراء أولي لتحقيق نزع السلاح بشكل كامل. وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: مالذي تحقق بعد مضي أزيد من 75 سنة على تأسيس هذا الكيان الأممي؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل المحوري لا يمكن استيفائها إلا من الواقع المعيش للمنتظم الدولي، حيث تبث وبالملموس أن ما تم النص عليه في ميثاق هذه المنظمة الأممية لم ينعكس على أرض الواقع بالشكل المرجو، ويظهر ذلك بشكل جلي من خلال انتشار السباق نحو التسلح عوض انخفاضه وما فترة الحرب البادرة بين القطبين السوفياتي والأمريكي لأبرز مثال على ذلك.

علاوة على ذلك تم انتشار استعمال أسلحة يمكن اعتبارها أكثر فتكا أو على الأفل مشابهة في أثارها الإنسانية والاقتصادية والنفسية لأثار أسلحة الدمار الشامل، والحديث هنا عن الألغام الأرضية التي استطاعات أن تشل حركة دول بكاملها، بالإضافة إلى انتشار الألغام المضادة للبشر في النزاعات المسلحة غير الدولية بالخصوص وارتفاع عدد الحقول المجهولة الخرائط خاصة على مستوى المنطقة العربية حيث تعرف أكبر نسبة من الألغام المزروعة عالميا، والتي لم يتم تطهيرها حتى يومنا هذا. مما ضاعف من الخسائر البشرية وتسبب في إحداث تشوهات خلقية لنسبة كبيرة منهم أطفال.

من خلال ما تقدم نخلص إلى أن البيئة القانونية المتوفرة غير كافية في تفعيل مقتضيات  ميثاق منظمة الأمم المتحدة والدور المنشود الذي كان يفترض ان تلعبه في قضية نزع السلاح، مما يعني أن مسألة تحقيق الأمن الجماعي، لا زالت تحتاج إلى تكاتف جهود الدول وتغليب المصلحة العامة للمنتظم الدولي على  المصالح السياسية والاقتصادية الخاصة.

د.محمد النادي

الدكتور محمد النادي المستشار القانوني للأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر ورئيس المركز العربي للقانون الدولي الإنساني، حاصل على دكتوراه في القانون الدولي الإنساني من المملكة المغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى