دراسات ومقالات

حماية اللاجئين في القانون الدولي

د محمد النادي
مستشار قانوني بالمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر

تعتبر ظاهرة اللجوء من الظواهر التي أرقت المجتمع الدولي، خاصة في العشرية الأخيرة بعدما ساد الإعتقاد في مرحلة سابقة أن مشكلة اللاجئين كانت مرتبطة بمخلفات الحربين العالميتين، مما نحى بالمجتمع الدولي أنذاك إلى تبني اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي كانت محصورة زمنيا وجغرافيا بمنطقة أوروبا  قبل  سنة 1950. إلا أن واقع الأمر كان عكس ذلك، فبسبب انتشار النزاعات المسلحة الدولية منها والداخلية، وكذا تفاقم الكوارث الطبيعية الناتجة عن الاستغلال المفرط واللاعقلاني للطبيعة من قبل الإنسان، ظهرت موجات بشرية كبيرة تبحث من ملاذ أمن خارج حدود بلدانها. فحسب الإحصائيات الرسمية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين  الصادرة سنة 2019، أكدت أن العالم اليوم يشهد  أعلى مستويات مسجلة للنزوح منذ إنشاء المفوضية.

فقد أجبر 70.8 مليون شخص في كافة أنحاء العالم على الفرار من ديارهم، وهو رقم لم يسبق له مثيل. كما أن من بين هؤلاء حوالي 25.9​ مليون لاجئ، وأكثر من نصفهم دون سن الـ 18 عاماً.

فأمام هذا الوضع المؤلم فإن التساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: ماهي القوانين والاليات المكرسة لحماية اللاجئين؟

وينبثق عن هذا التساؤل المحوري، الأسئلة التالية:

  • ما المقصود باللاجئ؟
  • وماهي القوانين التي تحمي حقوق اللاجئ؟
  • وماهي الاليات المكرسة لمساعدة اللاجئين؟

للإجابة على التساؤل المحوري والأسئلة الفرعية المنبثقة عنه فإننا سنعتمد التصميم التالي:

أولا: الإطار المفاهيمي والقانوني للجوء

ثانيا: الآليات الدولية لحماية اللاجئين

وقبل الشروع في ذلك ننوه إلى أنه لن نتعرض لكافة القوانين والاليات المعنية بحماية اللاجئين، بل سنقتصر على استعراض بعض النماذج فقط.

أولا: الإطار آلمفاهيمي والقانوني للجوء

بهدف الإحاطة الشاملة بمفهوم اللجوء، لابد من تحديد المقصود بهذا المفهوم، وتمييزه عن باقي المفاهيم المشابهة له أولا، ثم استعراض أبرز التعريفات القانونية التي تضمنتها بعض الإتفاقيات والمواثيق الإقليمية والدولية.

  • الإطار آلمفاهيمي للجوء
  • مفهوم اللجوء لغة واصطلاحا

اللجوء لغة: هو مصدر فعل لجأ، يقال لجأ إلى شيء أو إلى مكان، بمعنى لاذ واعتصم به، ويقال ألجأت أمري إلى الله أي أسندت أمري لله وسلمت أمري له ليتولاه[1].

اللجوء إصلاحا: مصطلح لاجئ ينطبق على كل شخص يجبر على ترك إقامته المعتادة  ليبحث عن ملجأ في مكان آخر خارج بلد منشأه أو جنسيته، بسبب اعتداء خارجي، أو احداث تعكر النظام العام بشكل خطير في كل أو جزء من بلده.

  • تمييز مفهوم اللاجئ عن بعض المفاهيم المشابهة
    • النازح أو (المشرد داخليا)

في كثير من الحالات وبالخصوص عبر وسائل الإعلام يتم الخلط بين مفهومي اللاجئين والنازحين أو المشردين داخليا، فصحيح أن الإختلاف بينهما ضئيل جدا، نظرا لوحدة الأسباب الكامنة وراء ظهورهما، لكن من ناحية المركز القانوني فيوجد بون شاسع بينهما، فالنزوح هو حركة الفرد أو المجموعة من مكان إلى مكان أخر داخل حدود نفس الدولة، ويتم النزوح رغم عن إرادة النازح بسبب النزاعات المسلحة، أو الكوارث الطبيعية[2]،  أي أن النازحين هم الأشخاص الذين يتركون ديارهم قسرا للبحث عن أماكن أخرى أمنة، دون عبور حدود دولتهم التي يقيمون فيها.

  • المهاجر الاقتصادي:

يطلق لقب المهاجر الإقتصادي عادة على ذلك الشخص الذي ترك بلده بصورة طوعية، رغبة منه في تحسين وضعه الإقتصادي، من خلال البحث عن فرص جديدة في بلد أخر، وتبقى له حرية العودة إلى موطنه متى شاء، عكس اللاجئ الذي يفر من بلده بسبب الخوف من النزاعات المسلحة، أو الكوارث الطبيعية، أو بسبب الإضطهاد العرقي، وغيرها من الأسباب التي تحول دون رجوع اللاجئ إلى موطنه مادامت قائمة.

(ب): الإطار القانوني للجوء

بهدف الإحاطة بمفهوم اللجوء في بعده القانوني، سنتعرض إلى: الحماية الدولية للاجئين،  ثم الحماية الإقليمية للاجئين.

  • الحماية الدولية للاجئين

من أجل حماية اللاجئين عمل المجتمع الدولي على إرساء ترسانة قانونية دولية، نستعرضها بالشكل التالي:

  • حماية اللاجئين في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951

بسبب الأوضاع المزرية التي عاشها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وما ترتب عنها من ارتفاع مهول في عدد اللاجئين نتيجة التغيرات الجيوسياسية التي عصفت بالخصوص بالقارة الأوروبية، عقدت اتفاقية خاصة بوضع اللاجئين، بتاريخ 1 يناير/ كانون الثاني1951. فما هو تعريف اللاجئ حسب هذه الاتفاقية؟

لقد عرفت اللاجئ في مادتها الأولى ب: ” اللاجئ هو كل من وجد  نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من يناير/ كانون الثاني 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة بسبب آراءه السياسية،  خارج البلاد التي يحمل جنسيتها ولا يستطيع أولا يرغب بسبب ذلك الخوف في العدوة إلى ذلك البلد…”[3].

من بين أهم النقاط الإيجابية التي جاءت بها هذه الاتفاقية هي أنها جعلت من احتمالية التعرض للإضطهاد سبب من أسباب التمتع بصفة اللاجئ[4]، مما يعني أن كل المممارسات التي من شأنها احتمالية المساس بحقوق الإنسان المكرسة في الشرعة الدولية[5] تندرج في هذا الإطار.

لكن من الناحية الأخرى  نلاحظ أن الإتفاقية نصت على قيد زمني محدد حتى يتصف الشخص باللاجئ. وهو وجوده خارج دولته بسبب أحداث وقعت قبل 01 يناير / كانون الثاني عام 1951. وكما سبقت الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية نشأت بعد أحداث الحرب العالمية الثانية، مما يخولنا القول أنها جاءت لحل معضلة اللاجئين في القارة الأوروبية بالخصوص[6]. أضف الى ذلك أن هذه الإتفاقية لم تتحدث عن كل أسباب اللجوء؛ بل ركزت على اللجوء السياسي، كما أنها أغفلت نقطة مهمة جدا في قضية اللجوء؛ الا وهي اللجوء الجماعي، الذي بات السمة المميزة للجوء في عصرنا الحالي.

وعليه وبهدف تدارك كل هذه الهفوات خاصة تلك المتعلقة ب الحدود الزمنية والجغرافية المنصوص عليها في اتفاقية 1951، وكذا بسبب ظهور حالات لجوء جديدة، أصدر المجتمع الدولي عام 1967 بروتوكول خاص بوضع اللاجئين.

كما تم تعزيز هذه الترسانة القانونية بتاريخ  19 سبتمبر/أيلول 2016، من خلال  اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك الخاص باللاجئين والمهاجرين.  هذا الأخير الذي أكد  مجدداً أهمية النظام الدولي للاجئين، كما أنه يمثل التزاماً من الدول الأعضاء بتقوية وتعزيز آليات حماية الأشخاص أثناء تنقلهم. مما مهد الطريق لاعتماد ميثاق عالمي بتاريخ (17 ديسمبر/كانون أول 2018) في نيويورك. فبعد عامين من المشاورات المكثفة التي قادتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مع الدول الأعضاء والمنظمات الدولية واللاجئين والمجتمع المدني والقطاع الخاص والخبراء.  صدر هذا الميثاق العالمي  الذي يهدف في جوهره إلى مساعدة اللاجئين وتخفيف العبء على الدول المستقبلة لأعداد كبيرة منهم.

كما يعد إطاراً لتقاسم المسؤوليات بشكل أكثر إنصافاً وقابلية للتنبؤ، مع إدراك حقيقة أنه لا يمكن تحقيق حل مستدام لأوضاع اللاجئين من دون تعاون دولي.

ويوفر الميثاق خطة للحكومات والمنظمات الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين لضمان حصول المجتمعات المضيفة على الدعم الذي يحتاجون إليه، وأن يتمكن اللاجئون من عيش حياة مثمرة.

كما يشكل الميثاق فرصة فريدة لتحويل الطريقة التي يستجيب بها العالم لحالات اللاجئين، بما يعود بالنفع على كل من اللاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم.

وتتمثل أهدافه الرئيسية الأربعة في:

  • تخفيف الضغوط على البلدان المستضيفة؛
  • تعزيز قدرة الاعتماد على الذات لدى اللاجئين؛
  • توسيع نطاق الوصول إلى حلول البلدان الثالثة؛
  • دعم الظروف في بلدان الأصل للعودة بأمان وكرامة.

 

حماية اللاجئين في القانون الدولي الإنساني

كما هو معلوم أن مجرد الحديث عن القانون الدولي الإنساني يحيلنا مباشرة على وضع استثنائي، ألا وهو النزاعات المسلحة بنوعيها الدولية والداخلية، وبما أن هذا الأخير أي – القانون الدولي الإنساني- جاء بهدف أنسنة الحرب، والحد من أثارها السلبية الوخيمة التي لامبرر لها، حيث في غالب الأحيان ما يشكل المدنيون أكبر متضرر منها. فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ماهي النصوص القانونية التي كرسها القانون الدولي الإنساني لحماية فئة اللاجئين؟

إن المتأمل في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لها لعام 1977، يجد العديد من المواد التي نصت بشكل مباشر على حماية الفئات المستضعفة أو كما يطلق عليها أيضا الفئات التي لاتشارك أو كفت عن المشاركة في النزاع المسلح، وعلى هذا الأساس نصت الفقرة الرابعة من المادة 45 من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين على: “عدم جواز نقل أي شخص محمي في المجال إلى بلد يخشى فيه التعرض للإضهاد بسبب أرائه السياسية أو عقائده الدينية”، كما نصت الفقرة الأولى من المادة 49 من نفس الاتفاقية على: ” حظر النقل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم إلى أراضي دولة احتلال أو أي دولة أخرى أيا كانت دواعيه. …[7]“.

هذا وقد نص البروتوكول الإضافي الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية، في المادة 73 منه على: ” وجوب حماية الأشخاص الذين كانوا بدون وثيقة تثبت انتمائهم لدولة الإقامة أو كانوا لاجئين وبدون تمييز[8]“.

وفي المادة 85 من نفس البروتوكول فقد نصت على: ” عدم جواز ترحيل السكان المدنيين من طرف دولة الاحتلال…”[9].

أما في المادة 17 من البرتوكول الإضافي الثاني المنطبق على النزاعات المسلحة الداخلية فقد نصت على: ” لا يجوز إرغام الأفراد المدنيين على النزوح عن أراضيهم لأسباب متصلة بالنزاع[10]“.

من خلال ما تقدم يبدو أن مقتضيات نصوص القانون الدولي الإنساني لم تتعرض لتعريف مفهوم اللجوء، بل اكتفت بحظر  بعض الحالات المؤدية إلى دفع السكان للجوء. كذلك من بين الأمور المهمة التي وردت في النصوص القانونية أعلاه هي مسألة الحديث عن اللجوء بشكل فردي ثارة وبشكل جماعي ثارة أخرى. مما يوحي أن البعد الجماعي للجوء حاضر في مقتضيات القانون الدولي الإنساني.

  • مفهوم اللجوء في الاتفاقيات الإقليمية

بالموازاة مع الحراك الدولي الخاص بتأطير وضعية اللاجئين في العالم، هناك أيضا تحرك على الصعيد الإقليمي، حيث سنقتصر على ذكر ثلاثة نماذج على سبيل المثال لا الحصر وهي:

  • مفهوم اللجوء في اتفاقيات منظمة الوحدة الإفريقية

بعد استقلال العديد من الدول الإفريقية في الفترة الممتدة بين الخمسينات والستينات من القرن العشرين، واجهت تحديات عدة، همت إعادة الإعمار وتوفير الحماية والمساعدة والحلول المستدامة للاجئين الذين هجرتهم حروب التحرير والحروب الأهلية بعدها، مما نحى بمنظمة الوحدة الإفريقية  بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 1969 إلى سن اتفاقية لحماية اللاجئين[11]. حيث استندت في تعريفها لهذه الفئة على ماورد في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، كما توسعت في ذلك باشارتها إلى أسباب أخرى للجوء، وهو ما تضمنته المادة الأولى التي ورد تعريف اللاجئ فيها  أنه: ” كل شخص يجد نفسه خارج البلد الذي يحمل جنسيته، نتيجة لوجود خوف له ما يبرره لديه من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب أرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب – من جراء ذلك الخوف- في الاستفادة من حماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يتمتع بجنسية ويجد نفسه خارج البلد محل إقامته السابقة المعتادة بسبب مثل تلك الأحداث- ولايستطيع أو يرغب- بسبب ذلك الخوف- في أن يعود إليه”. وتضيف نفس المادة أن مصطلح لاجئ ينطبق على كل شخص، يجد نفسه مضطرا، بسبب عدوان، أو احتلال خارجي، أو سيطرة أجنبية، أو بسبب أحداث تهدد بشكل خطير الأمن العام في جزء من بلد منشئه الأصلي، أو من البلد الذي يحمل جنسيته، أو في أراضي أي منهما بالكامل، إلى أن يترك محل إقامته المعتادة ليبحث عن ملجأ له في مكان آخر خارج بلده الأصلي أو البلد الذي يحمل جنسيته.

بصفة عامة يمكن القول أن التعريف الذي جاءت به هذه الإتفاقية الإقليمية أشمل من التعريف الوارد في اتفاقية 1951، حيث أنه وسع من دائرة الأسباب التي تدفع للجوء،  ونخص بالذكر منها الحروب والنزاعات المسلحة، وليس الإضطهاد السياسي فقط.

  • حماية اللاجئين في الاتفاقية العربية لعام1994

نتيجة تفاقم أعداد اللاجئين جراء الصراعات التي شهدها الوطن العربي، من حرب في العراق والصومال ولبنان، أصدرت جامعة الدول العربية بتاريخ 27 مارس/ أذار 1994، الإتفاقية العربية الخاصة باللاجئين، حيث أكدت من خلالها في مادتها الأولى أن اللاجئ هو: ” كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته، أو خارج مقر إقامته الإعتيادية في حالة كونه عديم الجنسية ويخشى لأسباب معقولة أن يضطهد من أجل عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية أن يستظل بحماية ذلك البلد أو أن يعود إليه”. وتضيف نفس المادة أن اللاجئ أيضا هو كل شخص يلتجئ مضطرا إلى عبور حدود بلده الأصلي أو مقر إقامته الإعتيادية بسبب العدوان المسلط على ذلك البلد أو احتلاله، أوالسيطرة الأجنبية عليه أو لوقوع كوارث طبيعية أو أحداث جسيمة ترتب عليها إخلال كبير بالنظام العام في كامل البلاد أو جزء منها”.

من خلال استقراء نص هذه الإتفاقية،  نجدها  قد تضمنت تعريف أوسع للجوء  من خلال نصها على اللجوء بسبب الكوارث الطبيعية، مما يخولنا القول أن هذا التعريف يشكل إضافة نوعية، إلى التعاريف السالفة الذكر، تنعكس قيمته بشكل ملموس في عالمنا اليوم، حيث بتنا نشهد موجات لجوء واسعة بسبب الكوارث الطبيعية.

لكن مما يجدر بنا الإشارة إليه هنا هو أن هذه الإتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ، في حين أنه بتاريخ 25 فبراير/ شباط 2019 أصدرت اللجنة العربية المشتركة والمكونة من خبراء وممثلي وزارات العدل والداخلية في الدول العربية، عقب اجتماعها السادس ، بجمهورية مصر العربية، ” مشروع الاتفاقية العربية الخاصة بأوضاع اللاجئين في الدول العربية”،  هذا الأخير الذي لازال ينتظر العرض على أنظار مجلس وزراء العدل العرب ومجلس وزراء الداخلية للموافقة وفتح باب التوقيع والتصديق على الاتفاقية الجديدة. وفي مقابل ذلك أوصت بالغاء الاتفاقية القديمة التي صدر بها قرار مجلس جامعة الدول العربية عام 1994[12].

وفي نفس السياق أيضا أطلقت جامعة الدول العربية، ومفوضية  الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ” الاستراتيجية العربية لحماية الأطفال في سياق اللجوء في المنطقة العربية”، بغية إنشاء أساس لبيئة آمنة للاطفال اللاجئين تلبي احتياجاتهم من خلال تحديد المصالح الفضلى للطفل ، وإمكانية حصولهم على الفرص التعليمية ، ومشاركتهم مع المجتمعات المضيفة والأسر لتوفير حماية الطفل من العنف وسوء المعاملة والإهمال والاستغلال ، مع حمايتهم من الزواج المبكر وعمالة الأطفال وتجنيدهم من قبل أطراف النزاع.[13]

  • حماية اللاجئين في إعلان قرطاجنة لعام 1984

بسبب الحروب الأهليةالتي اندلعت في أمريكا اللاتنية أواخر السبعينيات، مما أدى إلى فرار الاف المواطنين من العنف الذي استشرى بالخصوص في كولوميبا والبيرو وبوليفيا…، فعلى اثر ذلك عقد اجتماع بدعوى من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بكولومبيا بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1984، تمخض عنه إعلان قرطاجنة الخاص باللاجئين.

ويعتبر هذا الإعلان صك تاريخي إقليمي، ساهم في توسيع تعريف اللاجئ في أمريكا اللاتنية، كما اقترح مناهج جديدة لتلبية الإحتياجات الإنسانية للاجئين والمهاجرين بروح من التضامن والتعاون.

وقد عرف إعلان قرطاجنة اللاجئين بأنهم: “… -إلى جانب عناصر اتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1976- اللاجئين الذين فروا من بلادهم بسبب تعرض حياتهم أو سلامتهم أو حريتهم للتهديد بسبب العنف المعمم أو العدوان الأجنبي أو النزاعات الداخلية أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو أي ظروف أخرى تحدث اضطراباً في النظام العام. “[14]

وبذلك يمكننا القول أن هذا الإعلان تميز بكونه نص بشكل مباشر على مفهوم اللاجئين في بعده الجماعي. ومن الجدير بالذكر هنا أن الإعلان تبعته إعلانات مهمة أخرى في نفس الإقليم نخص بالذكر منها إعلان سان خوسيه لعام 1994، وإعلان مكسيكو لعام 2004، وإعلان البرازيل لعام 2014.

خلاصة القول من خلال ما تقدم هو أن مفهوم اللاجئ بحكم الواقع عرف توسعا كبيرا منذ تكريس اتفاقية اللاجئين لعام 1951، مرورا بالإتفاقيات الإقليمية إلى غاية صدور الميثاق العالمي لعام 2018.

 

ثانيا: الآليات الدولية لحماية اللاجئين

إن الحديث عن الاليات الدولية لحماية اللاجئين هو حديث ذو شجون، يحتاج التطرق له إلى دراسة مستقلة،  نظرا لتعدد هذه الهيئات وتكامل عملها،  فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الية المقررين الخاصين، ملجس حقوق الإنسان، الية الاستعراض الدوري الشامل، الية المفوضية السامية لشؤون الاجئين، اللجنة الدولية للصليب الأحمر … وغيرها من الاليات، وعليه فنظرا لتعدد هذه الآليات سنقتصر على استعراض بعض النماذج فقط.

  • المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

بعد الدمار الذي شهده العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وما رافقه من اضطهاد أدى لفرار العديد من السكان خاصة في أوروبا للبلدان  المجاورة، اجتمعت إرادة الدول الممثلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1950على  إنشاء هذه الوكالة المتخصصة بشؤون اللاجئين، حيث بدأت أشغالها في أول يناير/كانون الثاني عام 1951.

وتمثلت المهام الرئيسية لهذه الوكالة في:

  • حماية اللاجئين في البلدان التي التمسوا فيها اللجوء.
  • مساعدة الحكومات لإيجاد حلول دائمة للاجئين.

ومما يجدر بنا الإشارة إليه هو أنه في  البداية اقتصر دور المفوضية على تقديم المساعدة للاجئين الأوروبيين، ثم امتد عملها ليشمل كل اللاجئين في العالم، بل امتد دورها ليشمل حتى المشردين قسرا/ النازحين داخل بلدانهم.

ومن أهم اختصاصات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ما يلي:

  • عقد اتفاقيات دولية لحماية اللاجئين والاشراف على تنفيذها[15].
  • الحصول من الحكومات على معلومات بشأن عدد اللاجئين المتواجدين على أراضيها وأوضاعهم المعيشية.
  • تنسيق جهود المجتمع الدولي لغرض توفير حماية دولية للاجئين وإيجاد حلول لمشاكلهم المختلفة[16].
  • تقديم المساعدات العينية والمالية الضرورية لحياة اللاجئين، وتقديم الخدمات الصحية…
  • كما تعمل المفوضية على ايجاد حلول لمشكل اللاجئين من خلال التنسيق مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية ودول العالم[17] من خلال التدابير التالية:
  • تمكين اللاجئين من العودة الطوعية إلى بلدهم الاصلي.
  • تمكينهم من الاندماج في بلد اللجوء.
  • اعادة توطينهم في بلد ثالث[18].

وعليه يمكن القول أن  المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعتبر من أبرز الاليات المتخصصة في حماية فئة اللاجئين حيث تشكل  القوى العاملة لديها العمود الفقري للمفوضية. فحتى تاريخ 31 مايو 2019، بلغ عدد موظفي المفوضية 16,803 شخص، 90% منهم تقريباً يعملون في المكاتب الميدانية. موزعين على 134 بلداً حول العالم وهم متخصصون في مجالات عديدة من ضمنها الحماية القانونية والإدارة والخدمات المجتمعية والشؤون العامة والصحة. [19].

  • اللجنة الدولية للصليب الأحمر

هي منظمة مستقلة ومحايدة أنشات عام 1863، تتمثل مهمتها في  توفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة والإضطرابات الداخلية، بما فيهم اللاجئين، حيث يتوقف عمل اللجنة الدولية المخصص لهذه الفئة  -اللاجئين- بصورة خاصة على حمايتهم بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني.

وتتدخل اللجنة الدولية فيما يخص اللاجئين الذين يشملهم القانون الدولي الإنساني لكي يطبق المتحاربون القواعد ذات الصلة.

فاستنادا إلى اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين تعمل اللجنة الدولية على زيارة اللاجئين، وتوفير الحماية والمساعدة الضرورية لهم[20]. كما تقدم خدمات وكالتها المركزية للبحث عن المفقودين للاجئين في كل وقت.

وفضلا عن ذلك، فقد ابتكرت برامج طبية جراحية في زمن الحرب للاجئين الجرحى[21]. وفي حالة تعرض اللاجئين لمشكلات أمنية خطيرة في البلدان المضيفة، لاسيما إذا تعرضت مخيماتهم الواقعة بالقرب من الحدود لأعمال العنف[22]، فإن اللجنة الدولية تتدخل كوسيط محايد ومستقل، وتتوفر لها اختصاصات مماثلة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين[23].

ومما يجدر بنا الإشارة إليه هنا هو أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين يؤديان عملهما معا من خلال التشاور والتنسيق على نحو وثيق.

ج) الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر

وفقا لمقتضيات المادة الثالثة من النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، تضطلع الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بمهامها الإنسانية وفقا لأنظمتها الأساسية وتشريعاتها الوطنية من أجل تحقيق رسالة الحركة وفقا للمبادئ الأساسية. وتدعم الجمعيات الوطنية السلطات العامة في تنفيذ مهامها الإنسانية. فإبان المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي انعقد عام 1981 في مانيلا تم اتخاذ القرار الحادي والعشرين، هذا الأخير الذي تضمن منهجا متكاملا لكيفية عمل  الجمعيات الوطنية مع فئة اللاجئين[24].

كما طالب نفس المؤتمر كافة المؤسسات الأعضاء في الحركة أن تتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئيين وغيرها من المؤسسات والمنظمات التي تعمل لمصلحة اللاجئين، وقد أكد المؤتمر الدولي الخامس والعشرون الذي عقد في جنيف عام 1986 في القرار السابع عشر من جديد على دور الحركة في مساعدة اللاجئين…، وأقر ذلك أيضا مجلس المنذوبين (42) في اجتماعه المنعقد في بودابيست عام 1991 (القرار التاسع) وفي برمنغهام عام 1993 (القرار السابع).

كذلك من بين الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الوطنية في هذا الباب هو أنها تتعاون مع الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، بغية لم شمل العائلات وتبادل الأخبار العائلية[25].

ومما يجدر بنا الإشارة إليه هنا هو أنه طبقا لمقتضيات الإتفاق المبرم عام 1997 بين اللجنة الدولية والإتحاد، فإنه يتم توزيع المهام بصفة عامة بين الطرفين على الشكل التالي:

  • تتولى اللجنة الدولية إدارة العمليات في الحالات التي ينشب فيها نزاع مسلح وعندما يستدعي الأمر وجود مؤسسة محايدة ومستقلة على وجه التحديد.
  • يتولى الاتحاد في حالات السلم تنسيق عمليات الإغاثة التي تقوم بها الجمعيات الوطنية إثر وقوع كارثة خطيرة.

وخلاصة القول من خلال ماتقدم هي أن المنظومة القانونية الدولية المعنية بحماية اللاجئين تتشكل من ثلاثة أحكام رئيسية وهي:

  • أحكام خاصة بتعريف الأشخاص الذين يعتبرون لاجئين.
  • أحكام تبين حقوق والتزامات اللاجئين في بلاد اللجوء.
  • أحكام متفرقة تهم تطبيق هذه الإتفاقيات والبروتوكول من الناحية الإدارية، والدبلوماسية وما يتعلق بتعاون الدول مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين[26].

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ما مدى نجاعة هذه الترسانة القانونية في توفير الحماية اللازمة للاجئين؟

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

هل كان الموضوع مفيدا لك؟

Cet article vous-a-t-il été utile?
نأسف لسماع ذلك. ما الذي لم يعجبك في هذا المقال؟

 

د.محمد النادي

الدكتور محمد النادي المستشار القانوني للأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر ورئيس المركز العربي للقانون الدولي الإنساني، حاصل على دكتوراه في القانون الدولي الإنساني من المملكة المغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى