حماية المرأة في النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية: بين الالتزامات القانونية والانتهاكات الواقعية
بقلم: الدكتور أيمن سلامة
تُعد حماية المرأة أثناء النزاعات المسلحة وأوقات الاضطرابات الداخلية العنيفة من القضايا الجوهرية في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
فقد وضعت اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977، إضافة إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضمانات الخاصة والعامة لحماية النساء من العنف والانتهاكات الجسيمة. ومع ذلك، لا تزال المرأة تعاني من جرائم مروعة خلال النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، مما يثير تساؤلات جوهرية حول المسؤولية والمساءلة الدولية والوطنية.
أولًا: الحماية العامة والخاصة للمرأة في النزاعات المسلحة
1 الحماية العامة وفقًا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية
تضمنت اتفاقيات جنيف مجموعة من القواعد العامة التي تضمن الحماية للنساء باعتبارهن أفرادًا مدنيين أو مقاتلين محميين في بعض الحالات. ومن أبرز هذه الأحكام:
– مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين، الذي يفرض على أطراف النزاع تجنب استهداف المدنيين، بمن فيهم النساء.
– القواعد التي تحظر التعذيب، والاحتجاز التعسفي، والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية.
– التزام أطراف النزاع بضمان الإمدادات الطبية والغذائية الكافية للمدنيين، لا سيما النساء الحوامل والمرضعات.
2. الحماية الخاصة للمرأة
منحت اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية حماية خاصة للنساء نظرًا لوضعهن الحساس خلال النزاعات المسلحة، ومن أبرز هذه الضمانات:
– الحماية من العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاستعباد الجنسي والدعارة القسرية.
– تجريم التهجير القسري للنساء، خاصة إذا كان يهدف إلى التلاعب بالتركيبة السكانية.
– حماية النساء الحوامل والمرضعات والمحتجزات، وضمان حصولهن على الرعاية الصحية والغذائية اللازمة.
ثانيًا: النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ودوره في حماية النساء
اعتمد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 (نظام روما) نهجًا متقدمًا في حماية المرأة من الانتهاكات خلال النزاعات المسلحة، حيث:
– اعتبر العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والحمل القسري، والتعقيم القسري، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
– أكد على المسؤولية الجنائية الفردية للقادة العسكريين والمدنيين عن الانتهاكات التي تُرتكب ضد النساء أثناء النزاعات المسلحة.
– شدد على حق الضحايا في المشاركة في المحاكمات والحصول على تعويضات، مما يعزز العدالة والإنصاف للنساء المتضررات.
ثالثًا: المسؤولية والمساءلة الدولية والوطنية عن انتهاكات حقوق المرأة في النزاعات المسلحة
1 المسؤولية الدولية عن الجرائم ضد النساء
تتحمل الدول والجماعات المسلحة المسؤولية القانونية عن الانتهاكات المرتكبة ضد النساء في النزاعات المسلحة، ويمكن مقاضاتها أمام:
– المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لنظام روما الأساسي.
– المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، مثل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، التي أدانت مسؤولين عن استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب.
– الهيئات الأممية، مثل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي تحقق في الانتهاكات وتصدر توصيات لمحاسبة المسؤولين.
2 المسؤولية الوطنية ودور الدول في محاسبة الجناة
يتوجب على الدول اتخاذ تدابير قانونية لضمان مساءلة الجناة عن الجرائم المرتكبة ضد النساء، ومن بين هذه التدابير:
– تضمين التشريعات الوطنية نصوصًا تجرم العنف الجنسي خلال النزاعات المسلحة.
– إنشاء آليات محلية لمقاضاة الأفراد المتورطين في جرائم ضد النساء.
– التعاون مع الهيئات الدولية لتقديم المجرمين إلى العدالة وتعويض الضحايا.
رابعًا: أبرز الانتهاكات ضد المرأة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية
1. العنف الجنسي كسلاح حرب*
يُستخدم العنف الجنسي بشكل ممنهج خلال النزاعات المسلحة لإذلال المجتمعات وتدمير النسيج الاجتماعي.
2 القتل والاستهداف المباشر للنساء
تعاني النساء من عمليات القتل والاستهداف المباشر، سواء من قبل القوات النظامية أو الجماعات المسلحة، بهدف زرع الرعب أو الانتقام من مجتمعاتهن.
3. التهجير القسري والاتجار بالبشر
تتعرض النساء للنزوح القسري والاستغلال من قبل شبكات الاتجار بالبشر خلال النزاعات المسلحة، حيث يتم إجبارهن على الزواج القسري أو العمل القسري.
4. الحرمان من الرعاية الصحية والغذاء
تعاني النساء في مناطق النزاع من صعوبة الحصول على الرعاية الصحية والغذاء، مما يعرضهن لمخاطر الوفاة أثناء الحمل أو الولادة.
وعلى الرغم من الإطار القانوني القوي لحماية النساء أثناء النزاعات المسلحة، لا تزال الانتهاكات الجسيمة مستمرة، مما يتطلب تعزيز آليات المساءلة والمحاسبة على المستويين الوطني والدولي. إن تحقيق العدالة للنساء المتضررات يتطلب إرادة سياسية قوية، وتعاونًا دوليًا جادًا، وضغطًا مستمرًا لضمان التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.