يثير المُؤلف الدكتور محمد حنين في كتابه ” اللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني: دراسة مقارنة”، إشكالية ناشئة في مجال دراسة الإنفاذ الوطني لأحكام القانون الدولي الإنساني، تتعلق بالطبيعة القانونية والأسس المعيارية المتعلقة بإحداث وعمل اللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني. إذ يبقى الالتزام الفعلي سواء من طرف الدول أو غيرها من الفاعلين المخاطبين بأحكامه، مسألة شائكة وبالغة التعقيد لارتباطها بعوامل متداخلة بين ما هو سياسي وقانوني وإنساني. لذلك وجدت اللجان الوطنية وغيرها من الهياكل المماثلة لتضطلع بمهام غالبا ما تثار في زمن السلم، من أهمها تشجيع الدول على الانضمام والمصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بأحكام القانون الدولي الإنساني وملاءمة تشريعاتها الوطنية مع ما تتطلبه هذه المصادقة، واقتراح التدابير المناسبة لتعزيز الوعي بأحكامه ونشرها في الأوساط العسكرية والمدنية.
يقع الكتاب في حوالي 122 صفحة، الصادر عن المكتب العربي للمعارف ودار البحوث القانونية، في الطبعة الأولي لعام 2021، بمصر. ويهدف تتبع وتوثيق مختلف النصوص القانونية التي أشارت لهذه الهياكل وأوصت باعتمادها من طرف الدول، باعتبارها من الاجراءات المؤسساتية الفعّالة للتنفيذ الوطني الفعلي لمختلف تعهداتها بموجب الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني، إذ اعتمد المُؤلف المنهج التحليلي المقارن في توثيق مختلف العناصر القانونية التي تشكل الأساس المادي لممارسة دولية أصبحت مستقرة، وكرست تواتر إقبال الدول على انشاء اللجان الوطنية في سياق إجراءاتها الوطنية للوفاء بتعهداتها الدولية في مجال القانون الدولي الإنساني. وقد توصل في الفصل الأول لتصنيف مختلف القرارات والتوصيات الدولية التي تم أوصت باعتمادها، ومن أهمها المؤتمرات الدولية للحركة الدولية للصليب والهلال الاحمر، إضافة للتوجيهات الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من خلال عمل دائرة الخدمات الاستشارية في مجال القانون الدولي الإنساني، في سياق جهودها لدعم حكومات الدول لاعتماد أفضل الاجراءات الوطنية الكفيلة بتعزيز احترام الدول وغيرها من الفاعلين لأحكام القانون الدولي الإنساني.
وبعد مناقشة القيمة القانونية لمختلف هذه القرارات والتوصيات، الدولية والإقليمية، استنتج أنها تكرس القبول الدولي بإنشاء هذه الهياكل الوطنية باعتبارها ممارسة ضرورية لضمان الإنفاذ الفعلي لأحكام الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني، حيث لاحظ المؤلف توافر الشرط المعنوي والمادي للعرف الدولي كأساس قانوني لإنشاء هذه اللجان الوطنية.
كما استحضر المُؤلف في الفصل الثاني المبادئ التوجيهية التي أنجزتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر للبحث في التجارب المتباينة لمختلف الدول في انشاءها للجان الوطنية، من حيث دراسة خصائصها ومهامها ومجالات تدخلاتها، ليستنتج أنها ممارسة مقبولة لدى الدول رغم التباين من حيث موقعها في الهيكل المؤسساتي للدولة، وفعالية تدخلاتها على سيرورة الإنفاذ الوطني لمختلف أحكام الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني.