كتب ومنشورات

العدد السنوي الرابع للكتاب العربي للقانون الدولي

يشتمل هذا العدد على مساهمات ثلة من الأساتذة الباحثين والمهتمين بقضايا البيئة وحقوق الإنسان، توزعت بين دراسات ميدانية لبعض المجالات البيئية المحلية، ومقالات تحليلية –باللغتين العربية والإنجليزية- للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والقانونية للمسألة البيئية:

الدراسة الميدانية الأولى، للباحث رحموني فريد تحت عنوان: الإكراهات البيئية بالمجالات الهشة: الثابت والمتغير (المجال الواحي لفجيج أنموذجا)، ركز فيها الباحث على الإشكالية المتعلقة بالإكراهات التي أصبحت تواجهها المنظومة البيئية الواحية بفجيج، وانعكاس ذلك على النظم التقليدية الضاربة بجذورها في التّاريخ. لقد حاول الباحث أن يُقارب موضوع الإكراهات تلك من خلال دراسة ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في التغايرية المناخية، وتدهور الغطاء النباتي وتصحر الأراضي، وأخيرا أزمة الموارد المائية وتراجع النظم التقليدية لاستغلاله.

الدراسة الميدانية الثانية، للباحث زروالي عدنان من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور (المغرب) بعنوان: “أثر تغير المناخ على شجرة الأركان في منطقة بني يزناسن”، أكد الباحث أن شجرة الأركان ليست منحصرة في جنوب المغرب كما هو شائع لدى عامة الناس، وإنما توجد منذ القدم في المنطقة الشرقية للمغرب أيضا وتحديدا في عمالة بركان، وهي تحتل مكانة هامة لدى ساكنة المنطقة. إلا أن التغيرات المناخية التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة، والعامل البشري المتمثل في الاستغلال الجائر… كان لهما بالغ الأثر في انحسار المساحات التي كانت تنمو فيها شجرة الأركان. وقد عزز الباحث ملاحظاته بالعديد من الإحصائيات التي تؤكد النتائج التي توصل إليها، كما اقترح الباحث استراتيجية للحفاظ على هذا الموروث الذي أدى وما يزال وظيفة هامة في الحياة الاقتصادية لسكان المنطقة.

الدراسة الثالثة، للباحث الحبيب استاتي زين الدين من جامعة القاضي عياض بمراكش الموسومة بـ: “الحركات البيئية ورهان العدالة الاجتماعية”. تناولت سياق ظهور الحركات البيئية وتطورها، والمهام التي اضطلعت بها دفاعا عن البيئة وعن العدالة الإيكولوجية. وناقشت الدراسة كيف أن العدالة الإيكولوجية وطيدة الصلة بالعدالة الاجتماعية، بحيث أن الحركات البيئية تستند في عملها إلى قيم ومفاهيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وأن اللاّمساواة الاجتماعية دائما ما تتحول إلى لامساواة إيكولوجية، وهو ما حدا بالباحث إلى استخلاص أنه كلما كان هنالك إقصاء اجتماعي وسياسي مثلا، استتبعته بالضرورة هشاشة بيئية.

كما تناول أيضا قضية الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي أسهمت في ولادة تلك الحركات البيئية، لينتقل أخيرا للحديث عن واقع الحركات البيئية في المنطقة العربية، خصوصا في المغرب وتونس ولبنان. وتساءل عن مدى قدرة تلك الحركات على الفعل والتأثير بالمقارنة مع ما هو حاصل في الدول المتقدمة، وذلك بالنظر إلى العوائق الكثيرة التي تقف في طريقها والمتمثلة أساسا في ضُعف الخلفية الفكرية الكفيلة بنشر الوعي البيئي وتعميمه بين الناس…

الدراسة الرابعة لصاحبها مولاي هشام الأمراني عالجت قضية “العدالة الإيكولوجية على المستوى الدولي”، حيث أشار إلى أن المخاطر البيئية ليست موزعة بشكل عادل خاصة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، فالذين يلوثون أقل هم من يعانون أكثر. كما ركّز الباحث على الاستراتيجية التي ينبغي تبنيها من قبل السلطات العامة من أجل ضمان حوكمة جيدة لموضوع البيئة. وفي هذا الصدد، تطرق الباحث إلى عدد من القضايا والأسئلة المتعلقة بالموارد التي ينبغي تعبئتها من أجل تحقيق العدالة الإيكولوجية.

في السياق نفسه، وخاصة ما يتعلق بالمخاطر البيئية وتوزيعها غير العادل بين الدول، تناول الأستاذان شكراني الحسين وسمير الفراع في المقال الخامس ضمن هذا العدد، “ التغيرات المناخية و الجريمة البيئية في أفريقيا: التداعيات والتحديات“، خاصة مع فتح الحدود الوطنية أمام الرأسمال الأجنبي، وازدياد عمليات التصدير والاستيراد…حاول الباحثان في هذا المقال تحديد مفهوم الجريمة أو الإبادة البيئية ecocide، ثم انتقلا للحديث عن التحديات التي تفرضها تلك الجرائم على الصعيد العالمي والإفريقي خاصة، كون أن بعض الدول المتقدمة مثلا والتي تعد من أكبر المسؤولين عن انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم هي الأقل تضررا من التغير المناخي. وهذا من جهته يفتح قضية العدالة البيئية على مصراعيها، وكيف أن بعض القوى العالمية متمثلة أساسا في الشركات متعددة الجنسيات والمسؤولة عن العديد من تلك الجرائم ما تزال إلى يومنا هذا تتمتع بالإفلات من العقاب. وبهذا الخصوص، يطرح الباحثان مسألة دور القضاء في مواجهة الجريمة البيئية سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو الوطني، ومدى قدرة الهيئات القضائية الدولية والإقليمية على محاربة الجريمة البيئية، مع التطرق بهذا الخصوص إلى تجارب المحكمة الجنائية الدولية، التي تقتصر كما هو واضح من قانون روما الأساسي، على محاكمة الجرائم البيئية التي تقع في وقت الحرب، وكيف أن هذا الأمر يشكل عرقلة كبيرة أما تتبع ومحاكمة مرتكبي الجرائم البيئية، ما دام أن تلك الجرائم تقع في الغالب في أوقات السلم وليس في أوقات الحرب. كما جرت الإشارة إلى بعض القضايا ذات العلاقة بالجرائم البيئية والتي تم عرضها على محكمة العدل الدولية بلاهاي. كما تناول الباحثان قضية التعاون الدولي والآليات التي من شأنها المساهمة في محاربة الجريمة البيئية وتحقيق العدالة البيئية؛ وأشار الباحثان إلى العديد من المشاريع على المستوى الدولي التي حاولت الإجابة عن مسألة الجرائم البيئية وحماية العالم من التغير المناخي.

وفي سبيل الإحاطة أكثر بالمسألة البيئية من الناحية التاريخية، تناول المقال السادس للباحث دنار إبراهيم من جامعة الحسن الأول بسطات، موضوعا بعنوان: “السؤال البيئي في تاريخ الفكر الاقتصادي”، عالج فيه مدى حضور السؤال البيئي في الفكر الاقتصادي منذ الإغريق، مرورا بالفكر الاقتصادي العربي، وصولا إلى الفكر الاقتصادي المعاصر. لقد حاول الباحث التركيز على المكانة التي أصبحت تحتلها المسألة البيئية اليوم على عكس ما كان سائدا في الماضي، ذلك بأن الفكر الاقتصادي آنذاك كان يرتكز دائما على الأهداف الأربعة لنيكولا كالدور والمتمثلة أساسا في القضايا المتعلقة بالتضخم، والنمو، والشغل، والتوازنات.

تناولت الدراسة السابعة في هذا العدد مسألة “تقييد الحقوق والحريات الأساسية في القانون الدولي والإقليمي والوطني”، حاول الباحث خلفدير هشام من خلالها تسليط الضوء على الآليات والتقنيات المستخدمة في تقييد الحقوق والحريات سواء على المستوى الدولي أو الوطني. فيما يرتبط بالمستوى الدولي، قام الباحث بدراسة وتحليل العديد من الاتفاقيات الدولية التي لها علاقة مباشرة بحقوق الإنسان من قبيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966؛ أما على المستوى الإقليمي فتطرق للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981؛ أما على المستوى الوطني، فتطرق الباحث للإشكالية المتعلقة بدمج الحقوق والحريات المعترف بها على الصعيدين الدولي والإقليمي في النظام القانوني الوطني وكيف أن تلك القوانين غالبا ما يجري تقييدها باستخدام شمّاعة النظام العام والأمن العام. وفي هذا الصدد، قام الباحث بتحليل العديد من النصوص القانونية التي قد تؤول إلى تقييد الحقوق والحريات، أو تحمل في طياتها قيودا معينة قد يكون لها أثر بالغ في تكبيل الحريات العامة، وعلى رأسها الدستور باعتباره أسمى وثيقة.

الدراسة الثامنة -ما قبل الأخيرة في هذا العدد- بعنوان: “الملكية وتطور التعددية الحزبية في المغرب”، للباحث أحمد حالي من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق؛ تناول فيها الباحث إشكالية التعددية الحزبية في المغرب في ظل الملكية التنفيذية، محاولا مقاربة تلك الإشكالية بدءا بالإطار القانوني الذي ينظم عمل الأحزاب السياسية، ومعرّجا على بعض العوائق التي تقف في وجه تأسيس الأحزاب السياسية المغربية. وفي مرحلة ثانية حاول أن يرصد طبيعة العلاقة التي ربطت الأحزاب المغربية بالملكية، والتي غالبا ما كان يغلب عليها طابع الهيمنة والصراع على السلطة. ونظرا لطبيعة تلك العلاقة، مرت الأحزاب السياسية في المغرب بثلاثة مراحل مفصلية في الحياة السياسية لتلك الأحزاب: مرحلة الاستقلال والتجذّر في المجتمع، ومرحلة التكيف مع الأمر الواقع وتقديم التنازلات، وأخيرا مرحلة تراجع وانحدار معظم الأحزاب السياسية المغربية. وفي مرحلة ثالثة، حاول الباحث أن يرصد آثر تلك التطورات على الأحزاب السياسية في المغرب، وبخاصة ما له علاقة بالإدارة الداخلية لتلك الأحزاب وما شهدته من انشقاقات تبعا لذلك؛ وهو الشيء الذي كان لها بالغ الأثر في المسار الديمقراطي وعلى المجتمع المغربي بصفة عامة.

الدراسة التاسعة التي نختم بها مواد هذا العدد، للباحث بورحيم ربيع بعنوان: “الخطوط العريضة لعلم الاجتماع القانوني للإنتاج المزدوج للمعايير: حالة القانون الجماعي للأطلس المتوسط والكبير”، تناول فيها قضية الإنتاج المزدوج للمعايير القانونية من قبل الدولة وبعض الجماعات القاطنة بمنطقة الأطلس. في هذا الإطار، تطرق في البداية إلى أهمية علم الاجتماع القانوني ونظرته إلى تعدد المعايير القانونية السائدة في بعض المجتمعات ذات التنوع العرقي والإثني واللغوي… وكيف أن التعدد في المعايير القانونية يعدّ في واقع الأمر عامل استقرار وتوازن بالنسبة لتلك المجتمعات، وذلك أمر بدهي، بحسب الباحث، ما دام أن المعايير التي على أساسها يجري تنظيم مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تخضع في واقع الأمر إلى التفاوض، وإلى الاتفاقيات والتسويات والمواثيق التي يتفق حولها الممثلون الحقيقيون لتلك الجماعات. ثم قام الباحث بدراسة بعض المعايير المحلية المتفاوض حولها والسائدة في بعض الجماعات القاطنة بمنطقة الأطلس، وكيف أن المعايير المتفاوض بشأنها هي في نظر تلك الجماعات أكثر أهمية من المعايير القانونية الآتية من الخارج، ما دامت وليدة تلك المجتمعات وهي، في نهاية المطاف، تنسجم لا محالة مع ثقافات أفراد تلك الجماعات وممارساتها وتطلعاتها.

المصدر
الكتاب العربي للقانون الدولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى